انتشرت في وقتنا هذا الكثير من الامور التي اضرت بالناس وروعتهم واخرجتهم من ديارهم مجبرين(بسبب الحروب والقتل والدمار) وغير مجبرين(بمشاركتهم للثورات والمظاهرات والحروب ودعمهم لها)، كما ان العديد منهم يبحثون عن امور معنوية لا تغير في حياتنا المعيشية شيء ويجعلونها قضية كبيرة (مثل حرية التعبير بمفهومهاالواسع) مما يدخلنا الى نفقٍ من عدم اسنقرار وغلاء معيشي وحزن وقلق دائم.
فيتم حث الناس وتكرار متواصل الى ان يتبنوا مواقف لا يفهمونها ولا يعون درجة خطورها الا بعد ان يحدث التغيير السيئ الذي يخسف مجتمعاتهم وحياتهم.. لو خيروا لاختاروا العودة الى ماضيهم الذي كانوا يعيشون فيه بأمان والفة رغم ما يعانون منه في بعض الاوقات من ظلم وقهر تعايشوا معه.
والفتن في وقتنا الحاضر انتشرت تحت مسميات عديدة، ولها عرّابون كُثر (يجهلون الحياة وواقعها)، متمثلين في سياسيين ورجال دين ودعاة وغيرهم.. لا يعرفون سوى الحث على العنف ويجاهلون العلوم بمختلف الوانها، ويركزون دوماً على المعتقد والفكر والايحاءات ومحاكاة العواطف التي توجه الناس الى مصيرهم المجهول.
والفتن اعاذنا الله منها، ذُكرت كثيراً في كتاب الله وفي احاديث النبي الكريم ونكررها دوماً في دعائنا لله عز وجل اذ نقول دوما ( اللهم انا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن ) ..
ولكن ما هي الفتنة او الفتن في فكرنا ولغتنا العربية؟
قال الأزهري معنى الفتنة : الابتلاء ، والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك : فتنتُ الفضة والذهب ، أذبتهما بالنار ليتميز الردي من الجيد، ومن هذا قول الله عز وجل : " يوم هم على النار يفتنون " أي يحرقون بالنار .(١) .
اما معاني الفتنة في الكتاب فقد ذكرها فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد في احد عشرة نقطة مقرونة بايات الله من كتاب الكريم وهي:
1- الابتلاء والاختبار : كما في قوله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) العنكبوت/2 أي وهم لا يبتلون كما في ابن جرير
2- الصد عن السبيل والرد : كما في قوله تعالى ( وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك) المائدة/ من الآية49 قال القرطبي : معناه : يصدوك ويردوك .
3- العذاب : كما في قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:110) فتنوا : أي عذبوا .
4- الشرك ،والكفر : كما في قوله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) البقرة/193 قال ابن كثير: أي شرك .
5- الوقوع في المعاصي والنفاق : كما في قوله تعالى في حق المنافقين ( وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِي)الحديد/ من الآية14 قال البغوي :أي أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال المعاصي والشهوات .
6- اشتباه الحق بالباطل : كما في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) لأنفال/73 فالمعنى : " إلا يوالى المؤمن من دون الكافر ، وإن كان ذا رحم به ( تكن فتنة في الأرض ) أي شبهة في الحق والباطل ." كذا في جامع البيان لابن جرير .
7- الإضلال : كما في قوله تعالى : ( ومن يرد الله فتنته ) المائدة / 41 ، فإن معنى الفتنة هنا الإضلال .البحر المحيط لأبي حيان ( 4 / 262 )
8- القتل والأسر : ومنه قوله تعالى : (وإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) النساء / 101 . والمراد : حمل الكفار على المؤمنين وهم في صلاتهم ساجدون حتى يقتلوهم أو يأسروهم . كما عند ابن جرير .
9- اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم : كما في قوله تعالى : ( ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ) أي يوقعوا الخلاف بينكم كما في الكشاف ( 2 / 277 ) .
10 - الجنون : كما في قوله تعالى ( بأيِّكم المفتون ) .فالمفتون بمعنى المجنون .
11- الإحراق بالنار : لقوله تعالى : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ) .
واقعنا الحالي والفتن:
اعتقد ان الصور الان امامنا في واقعنا المعاصر الذي تتلاعب فيه الاهواء والرغبات (بنيات صادقة وغير صادقه) للوصول الى تحقيق اهداف معينة يسعى لها من سعى بحق او بباطل، ولابد لنا منا لابتعد عنها قدر المستطاع.
في واقعنا المعاصر نجد فتن مختلفة ومتواصلة فيكل مكان نذهب اليه، وفي كل مكان نتواجد فيه!! فمن خلال الاعلام ووسائله نجد الفتنة باشكال مختلفة كالصور والافلام والكتب والمقالات والخطب في المساجد(بعضها) وفي الاحديث الدينية المنتشرة في الفضائيات، وفي لافلام المستوردة من الغرب، وفي اتباعنا واشتراكنا في المنظمات العالمية ونشر وتطبيق قيمها علينا وهناك العديد العديد من القنوات الاتصالية والاشكال والصور، كما نجدها في اسواقنا ومجالسنا ومدارسنا وغيرها الكثير من المواقع..
.. وطبعا لا اقول ان نقاطع كل هذا، لانه يعتبر من الجنون والتخلف ان نقاطع واقعنا نعيش فيه، (الا في حالات معينة الاولى ان نسكت او نعتزل) ولكن علينا ان نعي ما نفعل وعلينا ان نتعامل مع واقعنا بحكمة وبصيرة وان نقاطع فقط من نوقن بانه فعلا يوقعنا في الفتنة والهلاك.
الحلول المتاحة
الحلول متاحة لنا وفي ايدينا وهى ان نبتعد عنالفتن وعن المثيرين لها، وكما نعلم ان اكبر فتنة ستواجهنا هي فتنة المسيح لدجال، وقد امرنا رسولنا الكريم بابسط شيء نفعله بان دخل الى بيوتنا ونقفل ابوابنا.
---------
١- ( تهذيب اللغة 14 / 296 )