بانتشار المحطات والمؤسسات الاعلامية التي تتبع جهات ومؤسسات عامة وخاصة وجهات اخرى، استبعدت مهنة الاعلام من عملها اليومي واستبدلتها بمهنة اخرى تسمى المصلحة وهذه المصلحة اما ان تكون مالية او سياسية او طائفية او لخدمة جهات معينة لتحقيق اهداف تم رسمها في اماكن اخرى ..!!
فالانتشار العددي للمحطات الفضائية اثر تأثيرا مباشراً على مهنة الاعلام (الا ما ندر) التي تُعرف بالنزاهة والصدق وبالشفافية وناقل الحقيقة والرأي الآخر، الى اعلام يبث معلومات متضاربة وغير مسئولة ينقصها الشفافية والحيادية والحقيقة.
تعريف الاعلام:
قبل ان ننتقل الى صلب الموضوع، لابد وان نتعرف على الاعلام ومفهومه، فالاعلام هو نقل الخبر اوالمعلومة من مصدرها الى متلقيها بمصداقية وشفافية دون تزييف و بدون ايحاءات توجه المتلقي الى تبني موقف معين.
الاعلام لابد وان يكون صادقاً وموضوعياً ومحايداً، ينقل وجهات النظر دون تحيز او زيف، و يعطي للآخرين مساحة كافية لابداء وجهات نظرهم دون السماح بمصادرة آراء الآخرين، و ان تعرض الحقيقة كاملة وبمختلف ابعادها ليتمكن القارئ من تكوين وجهة نظر صحيحة مبنية على حقائق يستطيع من خلالها اختيار ما يوافقه من اتجاهات وآراء ليبني عليها مواقفه ورأيه تجاه القضايا المطروحة.
هل خصخصته تؤثر على مصداقيته؟
في الاونة الاخيرة اصبح الاعلام تجارة مربحة لاصحابها من سياسيين و اصحاب رؤوس الاموال وزعماء دينيين وحكومات، فمن خلاله يسعون لتحقيق اهدافهم من المالية او السياسية او العقائدية وغيرها، فتستغل الوسائل الاتصالية لتحقيق ما يريدون ايصاله للرأي العام من معتقدات وافكار محركين بها الرأي العام تجاه موقف معين ، او لتحقيق الارباح المادية على حساب هذه المهنة .
وخصخصة الاعلام اثر بشكل سلبي على حياديته ومصداقيته وعلى مهنية العاملين فيه، نظراً لاعتمادهم المادي على ممولهم المباشر او غير المباشر، فمن البديهي ان يؤثر صاحب الدعم المالي على المهنة ومن يعمل فيها نظراً لارتباط استمراريتهم بيده.
ويمكننا ان نبين التأثير السلبي للخصصة في محورين اساسيين:
١) التأثير على توجهات الرأي العام:
تستخدم وسائل الاعلام في بث المعلومات المقروءة اوالمسموعة اوالمرئية بشكل مكثف ومحدد الاطار، حيث تصل الى متلقيها بشكل مباشر او غير مباشر لتُحدث ردة الفعل المطلوبه تجاه الموقف المراد تحريك الرأي العام تجاهه.
وقد تستخدم اساليب ملتوية تعتمد على تضخيم الاخبار ودس الصور والمقاطع المصورة غير الواقعية التي تخدم التوجه او الهدف، ببث التقارير الاخبارية والافلام الوثائقية وغيرها .. لتصل الى المتلقي على انها حقائق يتم عرضها بمصداقية وشفافية.
وهناك العديد من الامثلة التي عايشناها خلال الفترة الماضية ونراها كثيراً في وقتنا الحاضر، فعند استرجعنا للتاريخ.. وكيف جندت الولايات المتحدة الاعلام العالمي في صالحها من اجل تأييد الحرب على العراق، باختلاق القصص والتقارير المزيفة المبنية على وقائع او تصريحات خبرية غير واقعية ولكنها تخدم هدف السياسة الامريكية، ومن خلالها استطاعت ان تنتزع دعم المجتمع الدولي لغزو العراق لتخليص العالم من شر اسلحة الدمار الشامل المزعومة، وبعد فترة تبين لنا انه غير حقيقي، وان هناك اهدافاً اخرى تحققت من وراء تلك التقارير وتلك الحرب.
٢) التأثير على الجانب السلوكي للافراد:
وهو الجانب الذي يحرك غرائز البشر لكي يقوموا بممارسات معينة في وقت وموقف ما، دون الاكتراث لنتائج هذه الممارسات، وينطبق ذلك على وسائل الاعلام التي تعتمد في بثها على اثارة النزعات الطائفية والعرقية والعقائدية بالاضافة الى الغريزة الجنسية والاخلاقية، لتحقق من وراءها اهدافاً تخدم مصالح افراد او جماعات.
وهناك أيضا بعدا آخر وهو البعد المادي الذي يكون اقل خطورة من البعدين السابقين لانه يعتمد على الترفيه والتسلية بالدرجة الاولى، ولكنه مؤثر تأثير سلبي على الاقتصاد وعلى الاخلاق.
المؤسسات الاعلامية والدعاية:
بدت المؤسسات الاعلامية وخاصة الاخبارية منها، وكأنها ابواق لبعض المنظمات والانظمة التي تعمل في الخفاء لنشر الافكار او المعتقدات الفكرية والسياسة، التي تأثير على سلوك وافكار الافراد، وواقعنا يشهد بذلك(...) فقيام كبريات المحطات الفضائية والصحف العالمية والاقليمية بالعمل تحت ضغوط او رغبات القوى مختلف القوى المستفيدة في العالم بمناطقه المختلفة، ووفق معتقدات ولغات تلك المناطق، فكل مكان به وكالات اعلامية تعمل على نشر وتداول الاخبار والتقارير كما ترغب الدول واصحاب المصالح.
واتذكر خلال فترة دراستي للاعلام في جامعة الامارات مادة الرأي العام والدعاية (مكن اسقاطه على موضوعنا هذا) ، كيف استطاع الحلفاء من خلال نشر الفضائع عن الالمان، او القصص الفضيعة التي يرفضها البشر بانها حقائق كان الالمان يقومون بها كأفران حرق اليهود، وغلي جثث الموتي لاستخراج الزيوت، لاستخدامها في صناعة الصابون وغير ذلك ..
فالاعلام في وقتنا الحاضر يعمل باسلوب الدعاية اكثر من ان يعمل بمفهوم الاعلام، لانه يقوم فعلاً بتوجيه الرأي العام الى تبني افكار ومعتقدات وتوجهات معينة تجاه مختلف القضايا التي تمر عليه في عصرنا هذا ..
مفهوم الاعلام الحقيقي ذاب في واقعية المصلحة وحب السيطرة وحب جمع المال، واصبح شيئاً صوريا في هذا العالم، لا فاعلية مهنية له وانما اعلام لتحقيق المصالح والاهداف، يخدم من انفق عليه ومن وقف خلفه ( الا من رحم ربي) ، فلابد وان يتحرر الاعلام من جميع قيوده ويعود الى مهنيته والى المهنيين الذي يعملون في حقله والى تنمية المجتمعات وتنوير العقول ودعم القضايا المجتمعية.
مفهوم الاعلام الحقيقي ذاب في واقعية المصلحة وحب السيطرة وحب جمع المال، واصبح شيئاً صوريا في هذا العالم، لا فاعلية مهنية له وانما اعلام لتحقيق المصالح والاهداف، يخدم من انفق عليه ومن وقف خلفه ( الا من رحم ربي) ، فلابد وان يتحرر الاعلام من جميع قيوده ويعود الى مهنيته والى المهنيين الذي يعملون في حقله والى تنمية المجتمعات وتنوير العقول ودعم القضايا المجتمعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق